1. الخرائط الغرضية (الموضوعية) و تصنيفها
لم ينتشر استخدام الخرائط الغرضية إلا
في بدايات القرن التاسع عشر ، لكنها أخذت تلعب دوراً هاماً منذ بداية القرن
العشرين ، و ذلك في مختلف الميادين الاجتماعية و الاقتصادية و التجارية ، و ازدادت
أهميتها ازدياداً كبيراً بعد انتشار أنظمة المعلومات الجغرافية و هي الأنظمة التي
تعتبر وسيلة فعالة لبيان نتائج التحليل الجغرافي و تسهيل عملية نشر هذه النتائج
بشكل تخطيطي على خريطة غرضية ، فيتمكن من تداولها و استغلالها عدد كبير من أصحاب
القرار و الفنيين من غير المختصين بعلم الكارتوغرافيا .
و رغم أن معظم أنظمة المعلومات
الجغرافية تتضمن وسائل و أدوات من شأنها أتمتة إصدار الخرائط الغرضية ، إلا أن
استخدام هذه الخرائط لإظهار المعلومات و تبادلها يتطلب من مستخدميها معرفة بعض
المبادئ الأساسية في علم الكارتوغرافيا التي شُرحت في الفقرات السابقة ، كما أن
نشر و إصدار معلومات على شكل خرائط غرضية يتطلب معرفة بعض المفاهيم و القواعد
الخاصة بهذا النوع من الخرائط ، بغية تحقيق الهدف منها ، و هذا ما سنتعرض له في
الفقرات التالية .
تدعى الخرائط الغرضية في عدد من الأحيان
بالخرائط ذات الهدف الخاص ( special – purpose ) أو أيضاً الخرائط
أحادية الموضوع ( Single Topic
) أو أيضاً الخرائط الإحصائية .
تقسم الخرائط الغرضية إلى نوعين رئيسيين
:
1 – الخرائط النوعية ( qualitative ) : و هي التي توضح التوزع المكاني النوعي
للمعطيات دون أن تعطي قارئ الخريطة إمكانية الحصول على معلومات كمية لظاهرة معينة
، و كمثال على هذا النوع من الخرائط خريطة لسورية توضح توزع الثروات المعدنية في
مختلف مناطق القطر باستخدام الألوان مثلاً ، دون الإشارة إلى كميات هذه الثروات .
2 – الخرائط الكمية ( quantitative ) :
و هي التي توضّح التوزع المكاني لمعطيات رقمية ، و غالباً ما تختص كل خريطة غرضية
من هذا النوع بمتحول واحد كعدد السكان أو الدخل أو درجة الحرارة الخ…،
حيث تستخدم الرموز و المصطلحات
الكارتوغرافية أو الألوان للتمييز الكمي لقيم المتحول الممثل في مختلف المواقع ، و
كمثال على هذا النوع من الخرائط خريطة لسورية تظهر كثافة السكان في المحافظات
باستخدام الألوان مثلاً أو اصطلاحات أخرى .
تتألف الخريطة الغرضية من عنصرين
رئيسيين : خريطة أساس جغرافي ( geographic base map ) و طبقة غرضية ( thematic layer ) .
تؤمن خريطة الأساس الجغرافي المعلومات
عن المواقع التي سترتبط بها الطبقة الغرضية ، و نفترض في هذه الخريطة أن تحتوي فقط
على المعلومات المكانية اللازمة و الضرورية ، إذ أن المعلومات الفائضة تسبب
تشويشاً دون أن تخدم الغرض من الخريطة ، فخريطة غايتها بيان أنواع التربة في منطقة
يجب ألا تحوي الأبنية السكنية . و كل ما تمّ شرحه بشأن التعميم الكارتوغرافي و
عملية المبالغة و الترميز يجب تطبيقه على خريطة الأساس لخدمة الطبقة الغرضية و
توضيحها .
1.1.
التجريد
الكارتوغرافي في الخرائط الغرضية
و هي العملية التي سيتم بموجبها اختيار
و تصنيف و ترتيب المعلومات اللازمة ليتمكن مستخدم الخريطة من فهم ظاهرة ما . و يجب
أن تمُثل المعلومات على الخريطة بشكل تخطيطي يسهل استيعاب و بقاء هذا التمثيل في
ذاكرة قارئ الخريطة .
تعتبر عملية التجريد هامة في إنتاج
الخرائط الغرضية و تشمل :
1 – عملية الاختيار ( selection )
: و فيها يتم تحديد محتوى الفضاء
الجغرافي الواجب تمثيله على الخريطة اعتماداً على هدف الخريطة و مقياسها . يحدد
بهذه العملية الاتجاه العام للخريطة و البيانات الواجب رصدها و طرق تجميعها
لتمثيلها على الخريطة .
2 – عملية التصنيف ( classification ) : و فيها يتم ترتيب العناصر المراد
تمثيلها ضمن مجموعات حيث تمُثل كل مجموعة صفة مشتركة ، بينما تهُمل خصوصية تفاصيل
العناصر الفردية ضمنها ، و يتم التركيز على إظهار الحدود بين المجموعات .تقلل
عملية التصنيف من تعقيد الخريطة ، و بها يسهل التواصل المعلوماتي .
3 – التبسيط simplification ) ( : و هو الاستغناء عن
تفاصيل فائضة لا تخدم غرض الخريطة ، و يعتبر البعض أن عملية الاختيار و التصنيف هي
نوع من أنواع التبسيط .
و لعل أهم شكل من أشكال التبسيط ما يسمى
بالتنعيم ( smoothing
) ، و يمكننا توضيح هذا المفهوم من خلال المثال التالي : لنفرض أن الغرض من إظهار
الطرق على خريطة هو التعبير فقط عن الاتصال المتواجد بين مختلف المواقع ، فيمكن و
الحالة هذه الاستغناء عن تمثيل الطرق بتوَضّع مكاني صحيح و دقيق ، و اللجوء إلى
عملية التنعيم التي هي تبسيط يُراد منه تمثيل تقريبي بشكل لا يتعارض مع أطراف
الخريطة.
4 – الترميز ( symbolization ) : و يستخدم للتمييز النوعي بين العناصر الممثلة على غالباً ما
تستخدم الألوان في عملية الترميز في الخرائط الغرضية لتوضيح مدى توزع ظاهر أو
شدتها . هذا و يمكن بسهولة استخدام الترميز بالألوان في أنظمة المعلومات الجغرافية
لإصدار الخرائط الغرضية.
1.2.
الخرائط
الغرضية التي تستخدم تدرج الألوان
يسمى هذا النوع من الخرائط بخرائط تدرج
الألوان ( Choropleth Maps
) ، و قد اشتهر اسم Choropleth
من الكلمتين Choros
و تعني المكان و Pleth
و تعني القيمة ، و تدعى هذه الخرائط أيضاً بالخرائط المظللة ( shaded maps ). تستخدم هذه الخرائط الألوان لترميز ظاهرة
أو موضوع ( Theme ) . فبعد توقيع الظاهرة على خريطة أساس من
الناحية المستوية ، تُمثل قيم الظاهرة أو شدتها بالألوان ،كبعد ثالث ، و غالباً ما
يستخدم لون واحد و يعطى قتامة تزداد مع ازدياد قيمة الظاهرة أي شدتها.
1.3.
تصنيف
البيانات
يقصد بتصنيف البيانات تجميعها ضمن صفوف
( classes ) أو مجموعات ، و إعطاء رمز أو لون مميز لكل
صف أو مجموعة حين تمثيلها ، إن طبيعة الظاهرة و توزعها تحدّد عادة عدد الصفوف .
كما يمكن اعتماد سهولة التمييز بين الصفوف ، كمعيار لتحديد عدد الصفوف ، إذ سيعطى
لكل صف حين تمثيل الظاهرة على خريطة لوناً أو رمزاً مغايراً للّون أو الرمز المسند
لصف آخر ، و قد دلت التجربة حين استخدام الألوان للتمييز بين الصفوف أن قارئ
الخريطة لا يستطيع التمييز بسهولة بين أكثر من أحد عشر تدريجاً لونياً عليها، و عملياً لا ينصح باستخدام أكثر من ست صفوف
لتوزيع الظاهرة عليها .
إن تصنيف ظاهرة ضمن صفوف أو مجموعات هو
نوع من أنواع التبسيط و التعميم ، و هو يؤدي دوماً إلى ضياع التفاصيل لصالح تسهيل
استقراء المعلومات من الخريطة ، و نقول في هذه الحالة أننا نقوم بعملية تنعيم ( smoothing) لنموذج الظاهرة و الإقلال من عدم تجانسها .
إن مجالات الصفوف التي ستوزع ضمنها
الظاهرة يمكن أن تكون متساوية أو غير متساوية ، و هنالك عدة طرق لتحديد حدود هذه
المجالات و سنستعرض أهمها :
1 – التصنيف العادي أو الكيفي : حيث
تستخدم كحدود للمجموعات أو الصفوف أعداد مدورة مثل . . . 50 , 20 , 10 ، دون أن تكون للحدود الفاصلة بين الصفوف أهمية
خاصة أو معنى بالنسبة للظاهرة .
2 – التصنيف حسب الحدود الحرجة : حيث
تعتمد حدود المجالات قيماً لا علاقة لها بتوزع الظاهرة إحصائياً ، و ذلك نظراً
لأهمية هذه القيم بالنسبة لمستخدم الخريطة الغرضية ، ففي خريطة غرضية يبيّن عليها
متوسط دخل الفرد في مختلف المناطق الجغرافية لقطر مثلاً يعتمد حد الفقر كحد لأحد
المجالات باعتباره قيمة بالغة الأهمية .
3 – التصنيف وفق حدود الإنكسارات
الطبيعية ( natural break
) :
و يستخدم هذا النوع من التصنيف عندما
يتميز توزع البيانات بتغيرات شديدة أو إنكسارات ( أو حتى انقطاعات ) ، و ذلك عند قيم محددة ، فتعتبر هذه القيم
حدوداً لمجالات توزع الظاهرة المعطاة بالبيانات
( شكل 9 . 12 . 2 ) . و تكون مجالات
الصفوف غير متساوية بشكل عام .
4 – التصنيف وفق التوزيع الإحصائي
:
حيث تتعلق حدود المجالات بتوزع الظاهرة
إحصائياً . إن لهذا التصنيف أهمية خاصة في الخرائط الغرضية ويمكن أن يتم بعدة طرق
نستعرض أهمها :
أ – طريقة التصنيف وفق مجالات متساوية :
يتم في هذه الطريقة توزع الظاهرة وفق
مخطط تكراري ( Histogram
) بمجالات متساوية للصفوف ، حيث يبيّن في كل صف القيمة العددية للظاهرة ،
ب – طريقة التصنيف باعتماد الانحراف
المعياري : يمكن استخدام الانحراف المعياري و مضاعفاته لتوزع ظاهرة لحساب حدود
المجالات ، و ذلك لإعطاء مؤشرات عن احتمال الوقوع ضمن مجال معين .
يستخدم هذا النوع من التصنيف بشكل عام
عندما يكون توزع الظاهرة قريباً من التوزيع الطبيعي [ 47 ] ( Normal
distribution ) ، و لا يستخدم هذا التصنيف إلا في الخرائط
الغرضية الموجهة لقارئ متمرس ملم بمبادئ الإحصاء و الاحتمالات قادر على فهم هذا
النوع من التوزيع
جـ التصنيف الأوسطي ( Quantiles )
نبتدئ في هذا النوع من التصنيف بترتيب
القيم الموجودة في البيانات التي يراد تمثيلها جغرافياً ترتيباً تصاعدياً.
نطلق في علم الإحصاء اسم الوسيط ( median ) على القيمة Q التي تقسم هذه المجموعة المرتبة إلى مجموعتين جزئيتين متساويتين
في عدد القيم لكل منهما ، و ذلك إذا كان عدد القيم في المجموعة فردياً . أما إذا
كان هذا العدد زوجياً فيعتبر الوسيط المتوسطة الحسابية للقيمتين المتتاليتين
الموجودتين في وسط هذه المجموعة . نحدّد بذلك في هذه المجموعة المرتبة مجالين
يحويان نفس عدد القيم . إن حديّ المجال
الأول هما القيمة الأولى في المجموعة و قيمة الوسيط و حديّ المجال الثاني هما
الوسيط و القيمة الأخيرة في المجموعة
1.4.
تصميم
الدليل ( النهيج )
يجب أن تحوي الخريطة الغرضية دليلاً
يوضح المجموعات و حدودها و ترميزها ( الألوان مثلاً ) ، و يمكن إضافة لهذا الدليل
نسب المساحات الواقعة ضمن كل مجموعة كمعلومة إضافية .و يسمى الدليل بالنهيج .
و من الشائع استخدام أنواع التهشير
المختلفة بدلاً من الألوان عند إصدار الخرائط باللون الأبيض و الأسود، فتستخدم
خطوط تهشير بكثافات و اتجاهات متنوعة للتمييز بين المجموعات .
و في حال استخدام التصنيف حسب التوزيع
الإحصائي و الذي بموجبه يتم تحديد المجالات و حدودها ، فمن المفضل أن يوضع في
الدليل مخطط تكراري مع حدود المجموعات .
1.5.
خرائط توزع
النقاط ( Dot distribution maps )
لنفرض كمثال أننا نريد إصدار خريطة
غرضية لتمثيل توزع الكثافة السكانية في قطر ما ، فهنا يمكن أن نلجأ إلى نوع من
الخرائط التي تُعرف بخرائط توزع النقاط ، حيث يتم أولاً اختيار قيمة معينة من
البيانات لهذه الظاهرة و نسميها بقيمة النقطة ( dot value ) ، ففي مثالنا عن ظاهرة كثافة السكان يمكن أن نعتمد تمثيل كل
1000 نسمة مثلاً بنقطة ، إن النقطة
ستستخدم كرمز و سوف لا يتغير هذا الرمز ، إنما سيتغير عدد النقاط من موقع إلى آخر
على خريطة أساس ، و ذلك تبعاً للمعلومات
الواردة في البيانات المتعلقة بهذه الظاهرة ، فإذا كانت خريطة الأساس تحوي حدود
المحافظات ، فإن عدد النقاط الممثلة على هذه الخريطة و ضمن محافظة ما سيكون مغايراً ، بشكل عام ،
لعدد النقاط في محافظة أخرى ، الأمر الذي يسمح بمقارنة الكثافات السكانية في مختلف
المحافظات ( أو المدن أو المواقع) , إن أغلب أنظمة المعلومات الجغرافية تعتمد على
توزيع النقاط بشكل عشوائي في المنطقة أو قرب مركز ثقلها و لتسهيل استخدام هذه الطريقة في التمثيل ، يجب
اختيار قيمة مناسبة لعدد البيانات التي تمثلها النقطة ، إنما يؤخذ على هذا النوع
من الخرائط الغرضية الصعوبة في تحديد النسب بين كثافات النقاط للحصول على القيم
العددية .
إن أهم مزايا خرائط توزع النقاط هي :
1 – سهولة قراءة و فهم الخريطة .
2 – كونها طريقة مناسبة لبيان توزع
الظواهر غير المستمرة ، بينما العديد من الخرائط الغرضية المعدّة بالطرق الأخرى لا
يصلح لإظهار الظواهر المستمرة .
3 – في حال تمثيل كل عنصر بنقطة يمكن
استعادة البيانات من الخريطة .
4 – يمكن إظهار أكثر من ظاهرة على خريطة
، و ذلك باستخدام أكثر من رمز للنقاط لكل ظاهرة . و لكن لا ينصح بذلك ما لم يكن الهدف من
الخريطة الغرضية بيان ارتباط معيّن ما بين ظاهرتين أو أكثر.
هذا و على مصمم هذا النوع من الخرائط
اعتماد القيمة المناسبة للنقطة ( dot value ) و حجم النقطة و
تصميم دليل مناسب يسهل معه فهم الخريطة .
1.6.
خرائط
الخطوط الايزومترية ( Isometric maps )
تُمثل الظاهرة في هذا النوع من الخرائط
بشكل مستمر و ذلك بمنحنيات تسمى خطوطاً ايزومترية حيث يمثل كل خط قيمة محددة للظاهرة . إن الشرط
الواجب تحققه لكي يصبح هذا النوع من التمثيل ممكناً هو أن يكون لكل موقع مكاني
قيمة وحيدة من قيم الظاهرة .
و تكون البيانات المتوفرة لهذه الظاهرة
في مختلف المواقع قيماً غير مستمرة ( متقطعة ) ، أو قد يتم قياس قيم الظاهرة في
مختلف المواقع ، بحيث تشكل مع مجموعة المواقع عيّنة يُستند إليها لتحديد الخطوط الايزومترية
للظاهرة ، و ذلك بعملية توسط داخلي بين مختلف المواقع المحدد قيم الظاهرة فيها ، و
نتيجة ذلك نحصل على تمثيل مستمر للظاهرة . يشبه هذا النوع من التمثيل تمثيل
الارتفاعات في منطقة بواسطة منحنيات التسوية .
يستخدم هذا النوع من الخرائط بكثرة في
أنظمة المعلومات الجغرافية ، إذ يمكن إصدارها بسهولة بواسطة هذه الأنظمة .
لهذا النوع من الخرائط العديد من
التطبيقات نذكر أهمها :
1
– خرائط ارتفاعات سطح الأرض .
2
– خرائط الأحوال الجوية المناخية ( الضغط ، الحرارة ، الرطوبة . . . الخ ) .
3
– خرائط بيئية ( نسبة التلوث ، أو سواها من الخصائص البيئية )
4
– خرائط التربة ( توزع المواد الكيميائية في التربة ) .
5
– خرائط جيولوجية .
6
– خرائط هيدرولوجية .